فصل: ما يراد بلفظ: الأب والرب والإله والسيد في كتبهم التي اشتبهت عليهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ورأوهم يبالغون في الطهارة فتركوها جملة!!. ورأوهم يتجنبون مؤاكلة الحائض وملامستها ومخالطتها جملة، فجامعوها. ورأوهم يحرمون الخنزير، فأباحوه وجعلوه شعار دينهم. ورأوهم يحرمون كثيرًا من الذبائح والحيوان، فأباحوا ما دون الفيل إلى البعوضة، وقالوا: كل ما شئت، ودع ما شئت، لا حرج. ورأوهم يستقبلون بيت المقدس في الصلاة، فاستقبلوا هم الشرق. ورأوهم يحرمون على الله نسخ شريعة شرعها، فجوزوا هم لأساقفتهمم وبتاركتهم أن ينسخوا ما شاؤا، ويحللوا ما شاؤا، ويحرموا ما شاؤا. ورأوهم يحرمون السبت ويحفظونه، فحرموا هم الأحد وأحلوا السبت، مع إقرارهم بأن المسيح كان يعظم السبت ويحفظه. ورأوهم ينفرون من الصليب، فإن في التوراة: ملعون من تعلق بالصليب، والنصارى تقر بهذا، فعبدوا هم الصليب. كما أن في التوراة تحريم الخنزير نصًا فتعبدوا هم بأكله. وفيها الأمر بالختان، فتعبدوا هم بتركه، مع إقرار النصارى بأن المسيح قال لأصحابه: إنما جئتكم لأعمل بالتوراة ووصايا الأنبياء قبلي، وما جئت ناقضًا بل متممًا، ولأن تقع السماء على الأرض أيسر عند الله من أن أنقض شيئًا من شريعة موسى، فذهبت النصارى تنقضها شريعة شريعة في مكايدة اليهود ومغايظتهم.
وانضاف إلى هذا السبب ما في كتابهم المعروف عندهم بافر كسيس: أن قومًا من النصارى خرجوا من بيت المقدس وأتوا أنطاكية وغيرها من الشام، فدعوا الناس إلى دين المسيح الصحيح، فدعوهم إلى العمل بالتوراة وتحريم ذبائح من ليس من أهلها، وإلى الختان وإقامة السبت، وتحريم الخنزير، وتحريم ما حرمته التوراة، فشق ذلك على الأمم واستثقلوه، فاجتمع النصارى ببيت المقدس وتشاوروا، فيما يحتالون به على الأمم ليحببوهم إلى دين المسيح، ويدخلوا فيه، فاتفق رأيهم على مداخلة الأمم، والترخيص لهم، والاختلاط بهم، وأكل ذبائحهم، والانحطاط في أهوائهم، والتخلق باخلاقهم، وإنشاء شريعة تكون بين شريعة الإنجيل وما عليه الأمم، وأنشأوا في ذلك كتابًا، فهذا أحد مجامعهم الكبار، وكانوا كلما أرادوا إحداث شيء اجتمعوا معًا وافترقوا فيه على ما يريدون إحداثه، إلى أن اجتمعوا المجمع الذي لم يجتمع لهم أكبر منه في عهد قسطنطين الرومي ابن هيلانة الحرانية الفندقية، وفي زمنه بدل دين المسيح، وهو الذي أشاد دين النصارى المبتدع وقام به وقعد، وكان عدتهم زهاء ألفى رجل، فقرروا تقريرًا ثم رفضوه ولم يرتضوه، ثم اجتمع ثلاثمائة وثمانية عشر رجلًا منهم- والنصارى يسمونهم الآباء-، فقرروا هذا التقرير الذي هم عليه اليوم، وهو أصل الأصول عند جميع طوائفهم، لا يتم لأحد منهم نصرانية إلا به، ويسمونه سنهودس وهي الأمانة!!.

.أمانة المثلثة أكبر خيانة:

ولفظها: نؤمن بالله الأب الواحد، خالق ما يرى وما لا يرى، وبالرب الواحد اليسوع المسيح ابن الله بكر أبيه، وليس بمصنوع، إله حق من إله حتى، من جوهر أبيه، الذي بيده أتقنت العوالم، وخلق كل شيء، الذي من أجلنا معشر الناس ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسد من روح القدس ومن مريم البتول، وحبلت به مريم البتول وولدته، وأخذ وصلب، وقتل أيام فيلاطس الرومي، ومات ودفن، وقام في اليوم الثالث كما هو مكتوب، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين أبيه، وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء.
ونؤمن بالرب الواحد، روح القدس، روح الحق، الذي يخرج من أبيه روح محبته، وبمعمودية واحدة لغفران الخطايا، وبجماعة واحدة قديسية سليحية جاثليقية، وبقيام أبداننا، وبالحياة الدائمة إلى أبد الآبدين.
فصرحوا فيه بأن المسيح رب، وأنه ابن الله، وأنه بكره ليس له ولد غيره، وأنه ليس بمصنوع، أي: ليس بعبد مخلوق، بل هو رب خالق، وأنه إله حق، استل وولد من إله حق، وأنه مساوٍ لأبيه في الجوهر، وأنه بيده أتقنت العوالم، وهذه اليد التي أتقنت العوالم بها عندهم هي التي ذاقت حر المسامير كما صرحوا به في كتبهم، وهذه ألفاظهم، قالوا: وقد قال القدوة عندنا: إن اليد التي سمرها اليهود في الخشبة هي اليد التي عجنت طين آدم وخلقته، وهي اليد التي شبرت السماء، وهي اليد التي كتبت التوراة لموسى!.
قالوا: وقد وصفوا صنيع اليهودية وهذه ألفاظهم: وإنهم لطموا الإله وضربوه على رأسه، قالوا: وفي بشارة الأنبياء به: أن الإله تحبل به امرأة عذراء، وتلده، ويؤخذ ويصلب ويقتل!!.
قالوا: وأما سنهودس دون الأمم، قد اجتمع عليه سبعمائة من الآباء وهم القدوة، وفيه: أن مريم حبلت بالإله وولدته وأرضعته وسقته وأطعمته، قالوا: وعندنا: أن المسيح ابن آدم، وهو ربه وخالقه ورازقه، وابن ولده إبراهيم، وربه وخالقه ورازقه، وابن إسرائيل، وربه وإلهه ورازقه، وابن مريم، وربها وخالقها ورازقها، قالوا: وقد قال علماؤنا ومن هو القدوة عند جميع طوائفنا: اليسوع في البدء ولم يزل كلمة، والكلمة لم تزل الله، والله هو الكلمة، فذاك الذي ولدته مريم وعاينه الناس وكان بينهم هو الله، وهوابن الله، وهو كلمة الله هذه ألفاظهم.
قالوا: فالقديم الأزلي خالق السموات والأرض هو الذي عاينه الناس بأبصارهم، ولمسوه بأيديهم، وهو الذي حبلت به مريم، وخاطب الناس من بطنها حيث قال للأعمى: أنت مؤمن بالله، قال الأعمى: ومن هو حتى أؤمن به؟، قال: هو المخاطب لك، ابن مريم، فقال: آمنت بك وخر ساجدًا، قالوا: فالذي حبلت به مريم هو الله وابن الله وكلمة الله، وقالوا: وهو الذي ولد ورضع وفطم، وأخذ وصلب وصفع، وكتفت يداه وسمر وبصق في وجهه، ومات ودفن، وذاق ألم الصلب والتسمير والقتل لأجل خلاص النصارى من خطاياهم. قالوا: وليس المسيح عند طوائفنا الثلاثة بنبي، ولا عبد صالح، بل هو رب الأنبياء، وخالقهم وباعثهم ومرسلهم وناصرهم ومؤيدهم، ورب الملائكة، قالوا: وليس مع أمه بمعنى الخلق والتدبير واللطف والمعونة، فإنه لا يكون لها بذلك مزية على سائر الإناث ولا الحيوانات، ولكنه معها بحبلها به واحتواء بطنها عليه، فلهذا فارقت إناث جميع الحيوانات، وفارق ابنها جميع الخلق، فصار الله وابنه الذي نزل من السماء وحبلت به مريم وولدته إلهًا واحدًا، ومسيحًا واحدًا، وربًا واحدًا، وخالقًا واحدًا، لا يقع بينهما فرق، ولا يبطل الاتحاد بينهما بوجه من الوجوه، لا في حبل، ولا في ولادة، ولا في حال نوم، ولا مرض، ولا صلب، ولا موت، ولا دفن، بل هو متحد به في حال الحبل، فهو في تلك الحال مسيح واحد، وخالق واحد، وإله واحد، ورب واحد، وفي حال الولادة كذلك، وفي حال الصلب والموت كذلك، قالوا: فمنا من يطلق في لفظه وعبارته حقيقة هذا المعنى فيقول: مريم حبلت بالإله، وولدت الإله، ومات الإله. ومنا من يمتنع من هذه العبارة لبشاعة لفظها ويعطي معناها وحقيقتها، ويقول: مريم حبلت بالمسيح في الحقيقة، وولدت المسيح في الحقيقة، وهي أم المسيح في الحقيقة، والمسيح إله في الحقيقة، ورب في الحقيقة، وابن الله في الحقيقة، وكلمة الله في الحقيقة، لا ابن لله في الحقيقة سواه، ولا أب للمسيح في الحقيقة إلا هو.
قالوا: فهؤلاء يوافقون في المعنى قول من قال: حبلت بالإله، وولدت الإله، وقتل الإله، وصلب الإله، ومات ودفن، وإن منعوا اللفظ والعبارة. قالوا: وإنما منعنا هذه العبارة التي أطلقها إخواننا، لئلا يتوهم علينا إذا قلنا: حبلت بالإله، وولدت الإله، وألم الإله، ومات الإله، أن هذا كله حل ونزل بالإله الذي هو أب، ولكنا نقول: حل هذا كله ونزل بالمسيح، والمسيح عندنا وعند طوائفنا إله تام، من إله تام، من جوهر أبيه، فنحن وإخواننا في الحقيقة شيء واحد، ولا فرق بيننا إلا في العبارة فقط. قالوا: فهذا حقيقة ديننا وإيماننا، والآباء والقدوة قد قالوا قبلنا وسنوه لنا، ومهدوه، وهم أعلم بالمسيح منا.
ولا تختلف المثلثة عباد الصليب من أولهم إلى آخرهم أن المسيح ليس بنبي ولا عبد صالح، ولكنه إله حق من إله حق من جوهر أبيه، وأنه إله تام من إله تام، وأنه خالق السموات والأرضين، والأولين والآخرين، ورازقهم ومحييهم ومميتهم، وباعثهم من القبور، وحاشرهم ومحاسبهم ومثيبهم ومعاقبهم، والنصارى تعتقد أن الأب انخلع من ملكه كله وجعله لابنه، فهو الذي يخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويدبر أمر السموات والأرض، ألا تراهم يقولون في أمانتهم: ابن الله وبكر أبهي، وليس بمصنوع إلى قولهم: بيده أتقنت العوالم وخلق كل شيء- إلى قولهم-: وهو مستعد للمجئ تارة أخرى لفصل القضاء بين الأموات والأحياء، ويقولون في صلواته ومناجاتهم: أنت أيها المسيح اليسوع تحيينا وترزقنا، وتخلق أولادنا، وتقيم أجسادنا، وتبعثنا وتجازينا!!.

.المسيح يكذب دعوى ربوبيته وإلهيته ويصرح بأنه نبي بشر:

وقد تضمن هذا كله تكذيبهم الصريح للمسيح، وإن أوهمتهم ظنونهم الكاذبة أنهم يصدقونه، فإن المسيح قال لهم: إن الله ربي وربكم، وإلهي وإلهكم، فشهد على نفسه أنه عبد الله، مربوب مصنوع، كما أنهم كذلك، وأنه مثلهم في العبودية والحاجة والفاقة إلى الله، وذكر أنه رسول الله إلى خلقه كما أرسل الأنبياء قبله.
ففي إنجيل يوحنا أن المسيح قال في دعائه: إن الحياة الدائمة إنما تجب للناس بأن يشهدوا أنك أنت الله الواحد الحق، وأنك أرسلت اليسوع المسيح، وهذا حقيقة شهادة المسلمين: أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
وقال لبني إسرائيل: تريدون قتلي وأنا رجل قلت لكم الحق الذي سمعت الله يقوله، فذكر ما غايته: أنه رجل بلّغهم ما قاله الله، ولم يقل: وأنا إله، ولا ابن الإله على معنى التوالد، وقال: إني لم أجيء لأعمل بمشيئة نفسي، ولكن بمشيئة من أرسلني، وقال: إن الكلام الذي تسمعونه مني ليس من تلقاء نفسي، ولكن من الذي أرسلني، والويل لي إن قلت شيئًا من تلقاء نفسي، ولكن بمشيئة هو من أرسلني.
وكان يواصل العبادة من الصلاة والصوم ويقول: ماجئت لأُخدم، إنما جئت لأَخْدِم، فأنزل نفسه بالمنزلة التي أنزله الله بها وهي منزلة الخدام، وقال: لست أدين العباد بأعمالهم، ولا أحاسبهم بأعمالهم، ولكن الذي أرسلني هو الذي يلي ذلك منهم، كل هذا في الإنجيل الذي بأيدي النصارى.
وفيه: أن المسيح قال: يارب، قد علموا أنك قد أرسلتني، وقد ذكرت لهم اسمك، فأخبر أن الله ربه، وأنه عبده ورسوله.
وفيه: أن الله الواحد رب كل شيء، أرسل من أرسل من البشر إلى جميع العالم ليقبلوا إلى الحق.
وفيه: أنه قال: إن الأعمال التي أعمل هي الشاهدات لي بأن الله أرسلني إلى هذا العالم.
وفيه: ما أبعدني وأتعبني إن أحدثت شيئًا من قبل نفسي، ولكن أتكلم وأجيب بما علمني ربي. وقال: إن الله مسحني وأرسلني، وأنا عبد الله، وإنما أعبد الله الواحد ليوم الخلاص. وقال: إن الله عز وجل ما أكل، ولا يأكل، وما شرب، ولا يشرب، ولم ينم، ولا ينام، ولا ولد له، ولا يلد، ولا يولد، ولا رآه أحد، ولا يراه أحد إلا مات.
وبهذا يظهر لك سر قوله تعالى في القرآن: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ}، تذكيرًا للنصارى بما قال لهم المسيح، وقال في دعائه لما سأل ربه أن يحيي الميت: أنا أشكرك وأحمدك لأنك تجيب دعائي في هذا الوقت وفي كل وقت، فأسألك أن تحيي هذا الميت ليعلم بنو إسرائيل أنك أرسلتني، وأنك تجيب دعائي.
وفي الإنجيل: أن المسيح حين خرج من السامرية ولحق بجلجال قال: لم يكرم أحد من الأنبياء في وطنه، فلم يزد على دعوى النبوة.
وفي إنجيل لوقا: لم يقتل أحد من الأنبياء في وطنه فكيف تقتلونني.
وفي إنجيل مرقس: إن رجلًا أقبل إلى المسيح وقال: أيها المعلم الصالح، أي خير أعمل لأنال الحياة الدائمة؟، فقال له المسيح: لم قلت صالحًا؟، إنما الصالح الله وحده، وقد عرفت الشروط، لا تسرق، ولا تزني، ولا تشهد بالزور، ولا تخن، وأكرم أباك وأمك.
وفي إنجيل يوحنا: أن اليهود لما أرادوا قبضه رفع بصره إلى السماء وقال: قد دنا الوقت يا إلهي فشرفني لديك، واجعل لي سبيلًا أن أملك كل من ملكتني الحياة الدائمة، وإنما الحياة الباقية أن يؤمنوا بك إلهًا واحدًا، وبالمسيح الذي بعثت، وقد عظمتك على أهل الأرض، واحتملت الذي أمرتني به فشرفني، فلم يدع سوى أنه عبد مرسل مأمور مبعوث.
وفي إنجيل متى: لا تنسبوا أباكم الذي على الأرض، فإن أباكم الذي في السماء وحده، ولا تدعوا معلمين فإنما معلمكم المسيح وحده، والأب في لغتهم الرب المربي، أي: لا تقولوا إلهكم وربكم في الأرض، ولكنه في السماء، ثم أنزل نفسه بالمنزلة التي أنزله بها ربه ومالكه وهو أن غايته أنه يعلم في الأرض، وإلههم هو الذي في السماء.
وفي إنجيل لوقا حين دعا الله فأحيا ولد المرأة فقالوا: إن هذا النبي لعظيم، وإن الله قد تفقد أمته.
وفي إنجيل يوحنا: إن لمسيح أعلن صوته في البيت، وقال لليهود: قد عرفتموني، كنت كاذبًا مثلكم، وأنا أعلم وأنتم تجهلون أني منه وهو بعثني، فما زاد في دعواه على ما ادعاه الأنبياء، فأمسكت المثلثة قوله: إني منه وقالوا: إله حق من إله حق.
وفي القرآن: {رَسُولٌ مِنَ الله}، وقال هود: {وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وكذلك قال صالح، ولكن أمة الضلال كما أخبر الله عنهم يتبعون المتشابه، ويردون المحكم.
وفي الإنجيل أيضا أنه قال لليهود وقد قالوا له: {نَحْنُ أَبْنَاءُ الله}، فقال لهم: لو كان الله أباكم لأطعتموني، لأني رسول منه، خرجت مقبلًا، ولم أقبل من ذاتي، ولكن هو بعثني، لكنكم لا تقبلون وصيتي، وتعجزون عن سماع كلامي، إنما أنتم أبناء الشيطان، وتريدون إتمام شهواته.
وفي الإنجيل: إن اليهود أحاطت به، وقالت له: إلى متى تخفي أمرك إن كنت المسيح الذي ننتظره فأعلمنا بذلك، ولم تقل: إن كنت الله أو ابن الله، فإنه لم يدّع ذلك، ولا فهمه عنه أحد من أعدائه ولا أتباعه.
وفي الإنجيل أيضا: أن اليهود أرادوا القبض عليه، فبعثوا لذلك الأعوان، وأن الأعوان رجعوا إلى قوادهم، فقالوا لهم: لم لم تأخذوه، فقالوا: ماسمعنا آدميًا أنصف منه، فقالت اليهود: وأنتم أيضا مخدوعون، أترون أنه آمن به أحد من القواد، أو من رؤساء أهل الكتاب؟، فقال لهم بعض أكابرهم: أترون كتابكم يحكم على أحد قبل أن يسمع منه؟، فقالوا له: اكشف الكتب، ترى أنه لا يجيء من جلجال نبي، فما قالت اليهود ذلك إلا وقد أنزل نفسه بالمنزلة التي أنزله بها ربه ومالكه أنه نبي، ولو علمت من دعواه الإلهية لذكرت ذلك له، وأنكرته عليه، وكان أعظم أسباب التنفير عن طاعته، لأن كذبه كان يعلم بالحس والعقل والفطرة واتفاق الأنبياء.
ولقد كان يجب لله سبحانه- لو سبق في حكمته أن يبرز لعباده، وينزل عن كرسي عظمته، ويباشرهم بنفسه- أن لا يدخل في فرج امرأة، ويقيم في بطنها بين البول والنجو والدم عدة أشهر، وإذ قد فعل ذلك، لا يخرج صبيًا صغيرًا، يرضع ويبكي، وإذ قد فعل ذلك، لا يأكل مع الناس ويشرب معهم وينام، وإذ قد فعل ذلك فلا يبول ولا يتغوط، ويمتنع من الخرأة إذ هي منقصة ابتلي بها الإنسان في هذه الدار لنقصه وحاجته، وهو تعالى المختص بصفات الكمال، المنعوت بنعوت الجلال، الذي ما وسعته سمواته ولا أرضه، وكرسيه وسع السموات والأرض، فكيف وسعه فرج امرأة. تعالى الله رب العالمين.
وكلكم متفقون على أن المسيح كان يأكل ويشرب، ويبول ويتغوط، وينام.

.ما يراد بلفظ: الأب والرب والإله والسيد في كتبهم التي اشتبهت عليهم:

.أسئلة على إلهية المسيح تنتظر الجواب من عبّاد الصليب:

فيا معشر المثلثة وعبّاد الصليب، أخبرونا من كان الممسك للسموات والأرض حين كان ربها وخالقها مربوطًا على خشبة الصليب، وقد شدت يداه ورجلاه بالحبال، وسمرت اليد التي أتقنت العوالم، فهل بقيت السموات والأرض خلوًا من إلهها وفاطرها، وقد جرى عليه هذا الأمر العظيم؟!!.